مقطوعات - الأشكال الموسيقية الأساسية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مقطوعات - الأشكال الموسيقية الأساسية
الأشكال الموسيقية الأساسية
آ. كوبلاند
الشكل المقطعيّ (1)
ذو المقطعين؛ ذو المقاطع الثلاثة؛ الروندو؛ التكييف المقطعيّ الحرّ.
إن الشكل الأسهل الذي يمكن أن يدركه المستمع هو الشكل المؤلف من مقاطع، وإن ازدياد وضوح الفصل المحدد بين المقاطع المتصلة بعضها ببعض يسهِّل استيعابه. ومن منظور معين، ومن ناحية عملية يمكن اعتبار الموسيقى قاطبةً مؤلفة من مقاطع، حتى القصائد السيمفونية الطويلة لريتشارد شتراوس هي من ضمن ذلك. ولكننا سنقتصر في هذا الفصل على نمط الأشكال التي تألفت بصورة واضحة وبشيء من التكييف، من اتحاد مقاطع منفصلة.
1. الشكل ذو المقطعين-Two-part Form :
إن الشكل ذا المقطعين، أو المزدوج، هو الأبسط بين هذه الأشكال ويمثله الرمز A-B. وهو شكل قليلاً ما يُستخدم في هذه الأيام، لكنه لعب دوراً هاماً في الموسيقى التي كُتبت في الفترة ما بين 1650 و 1750. إن الانقسام إلى A و B يمكن مشاهدته بوضوح في المدوّنة الموسيقية المطبوعة، ذلك أن نهاية المقطع A غالباً ما يُشار إليها بواسطة خطّين رأسيين مع إشارة الإعادة. وفي بعض الأحيان توضع إشارة الإعادة أيضاً في نهاية المقطع B، في هذه الحالة ستبدو الصيغة بدقة هكذا: A-A-B-B. ولكننا، كما سبق أن أشرت، لا نُدخِل في اعتبارنا، عند تحليل الأشكال، هذه التكرارات طبق الأصل، لأنها لا تأثير لها على المخططات العامة للموسيقى كلها. علاوة على ذلك فإن للعازفين حرية التصرف في موضوع عزف الإعادات المُشار إليها.
في جميع الأشكال الأخرى، يظهر المقطع B مقطعاً مستقلاً، يختلف من ناحية المادة الموسيقية، عن المقطع A. ومع ذلك ثمّة توافق بين المقطع الأول والمقطع الثاني. ويبدو أن A و B يوازن أحدهما الآخر؛ وغالباً ما يكون B أكثر بقليل من إعادة تكييف جديد لصيغة A. وإن إعادة التكييف هذه مختلفة في كل مقطوعة موسيقية عن الأخرى، وترتكز عليها بصورة واسعة قيمة التنويع في بنية الشكل ذي المقطعين. وغالباً ما يشكل B تكراراً جزئياً للمقطع A، ونوعاً من التفاعل الجزئي لبعض العبارات الموسيقية الموجودة في A. ومن أجل ذلك يمكن القول: إن قسم التفاعل الرئيسي الذي أصبح على جانب كبير من الأهمية في الأزمنة اللاحقة كان منشؤه من هنا. ويمكن للشخص العادي أن يسمع مقطعيّ هذا الشكل بوضوح، إذا هو أصغى للإحساس القوي بالختامية في نهاية كل مقطع.
لقد استُخدم الشكل ذو المقطعين في الآلاف من القطع القصيرة لآلة الكلافسان، التي كُتبت في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان نموذج المتوالية (السويت) في القرن السابع عشر يتضمن أربعاً أو خمساً أو أكثر من تلك المقاطع، التي كانت أنواعاً مختلفةً من الرقصات. ويشتمل السويت عادةً على الرقصات التالية: الألاماند، الكورانت، السارابند والجيج. أما رقصة الجافوت، البوريه، الباسيبيه واللوريه، فقد كانت أقل استخداماً. ولا يصح الخلط بين نموذج السويت المبكر هذا، وبين السويت الحديث الذي ليس هو أكثر من مجموعة من القطع الأخفّ أسلوبياً من حركات السوناتا أو السيمفونية.
وما على القارئ الذي يريد أمثلة على الشكل ذي المقطعين إلا أن يتابع الاستماع إلى القطع الموسيقية التي وضعها فرانسوا كوبيران أو دومينيكو سكارلاتي. لقد نشر كوبيران الذي عاش ما بين 1668 و 1733، أربعة مجلدات من القطع لآلة الكلافسان، تتضمن أروع ما كتبه فرنسيّ. وغالباً ما تحمل عناوين خيالية كهذه: "العقبات الغامضة" أو "التوءمان" أو "الذبابة الصغيرة". وهذه القطعة الأخيرة هي من أروع الأمثلة على الشكل ذي المقطعين. وكذلك قطعته "الثرثارة commere" هي مثال لامع على حصافة القرن الثامن عشر وظرفه. كما يمكن إيجاد شيء من حسيّة الموسيقى الفرنسية المعاصرة في قطعة "الحسرات اللطيفة Les langeure tenders". لقد أبدع كوبران عالماً من الحسِّ المرهف في حدود هذا الشكل المنمنم.
لقد وضع المؤلف الإيطالي دومينيكو سكارلاتي (1685-1757) الذي عاصر المؤلف كوبيران، مئات من القطع الموسيقية في الشكل ذي المقطعين، وأعطاها كلها اسماً عاماً هو اسم السوناتا، مع أنه ليس فيها شيء مشترك مع السوناتا التي أتت فيما بعد، سواءً على صعيد الشكل أو على صعيد الحسّ. لقد وضحت شخصية سكارلاتي بقوة في كل ما كتب، كان لديه مَيْل للتألق، وكتابة مزوّقة للآلة الكلافسان، مع قفزات عريضة وتقاطع في الأيدي بأسلوب آلي صحيح. ولم يخشَ من استعمال هارمونيات جريئة صعقت معاصريه. (الكثير من هذه الهارمونيات لطَّف من حدتها الناشرون الأكاديميون في القرن التاسع عشر). وإنه لمن الصعب اختيار أمثلة من الوفرة الكثيرة لثروته. وتعدُّ السوناتات رقم 413 مقام ري مينور، و 104 مقام دوماجور، و 338 مقام صول مينور الموجودة في طبعة لونجو من أروع أعماله.
النمط الثاني للشكل المقطعي، هو الشكل ذو المقاطع الثلاثة، وتمثله الصيغة: A-B-A. لقد سبق أن رأينا كيف تُبنى الوحدة الصغيرة في قطعةٍ ما طبقاً لصيغة: a-b-a. والآن نرى من الضروري أن نوضحها فيما يتعلق بقطعةٍ كاملة.
2. الشكل ذو المقاطع الثلاثة Three-part Form:
في حالة الشكل ذي المقاطع الثلاثة، نتعامل مع نمطٍ من البناء ما زال يستخدمه مؤلفو اليوم. ومن أوضح الأمثلة المبكرة عليه مينويتات هايدن أو موزارت. ويبدو أحياناً قطعة صغيرة مستقلة، يحدّها من طرفيها المقطع الأول: مينويت-تريو-مينويت. ولما كانت العودة إلى المقطع الأول، هي عودة طبق الأصل، فإن المؤلفين لا يكلفون أنفسهم عناء كتابتها ثانيةً، بل يستخدمون مصطلح (Da capo) الذي يعني العودة إلى البداية. ولكن عندما تكون العودة معدّلة فيجب كتابتها.
تغيرت تدريجياً ملامح المينويت والشكل ذي المقاطع الثلاثة، حتى عند من يسمونهم بالمؤلفين الكلاسيكيين. فهايدن نفسه بدأ بتحويل المينويت من رقصة بسيطة إلى شكل أصبح في النهاية سكيرزو عند بيتهوفين. في الواقع هناك بضعة أمثلة على التوسع التدريجي للنموذج الشكلي أفضل من هذا التحول للمينويت إلى سكيرزو.
إن مخطط A-B-A ظلّ هو نفسه، لكن الشخصية تحولت كلياً. لقد تحول المينويت الرشيق والجليل بين يدي بيتهوفين إلى سكيرزو سريع، فظّ، غريب الأطوار ومغاير تماماً للحركة السابقة.
إن التعديل الهام في الشكل حققه بيتهوفين نفسه، ثم تبناه المؤلفون الين لحقوا به. لقد جرت العادة في أعمال المينويت والسكيرزو المبكرة أن تتلقى إحساساً بالختام في نهاية كلٍ من المقطع الأول والثاني. لكن في الأمثلة المتأخرة لهذا الشكل هناك ربط بين المقطع A و B بوساطة جسر عبور، كذلك الأمر عند العودة من B إلى A، وهذا ما يخلق انطباعاً كبيراً بالتواصل. وسيُعثر على هذه النزعة في أغلب الأشكال الموسيقية؛ إن نقاط الحدود لمقاطع المنفصلة تنزع للتبدد قبل أن تدعو الحاجة إلى انطباع بالتدفق المتواصل. لا ريب أن تحديد التقسيمات أيسر للتعقب من موقع المستمع، لكن التطوير الأمثل للشكل يجتذب معه الحاجة إلى المعالجة البارعة للتواصل، وللخط الأطول.
إليك مثالاً توضيحياً نموذجياً من أعمال المينويت للمؤلف ج. هايدن، مأخوذاً من الرباعية الوترية رقم 5، حيث التقسيمات محددة بوضوح:
أما فيما يتعلق بمثال حديث عن شكل المينويت، فأستطيع أن أزكي مينويت المؤلف م. رافيل من "قبر كوبيران"، وهي مجموعة من ست قطع لآلة البيانو، وزّعها المؤلف فيما بعد للأوركسترا. لقد قُدّم الشكل A-B-A النموذجي مع هذه الفروق: صُممت العودة إلى المقطع A من الاتحاد البارع لكلا المقطعين A و B في ذات الوقت؛ وأضيفت على نحو جميل كودا محكمة في النهاية. ولكن لم يطرأ تغيير جوهري على شكل المينويت.
لنر الآن ما الذي فعله بيتهوفين بشكل المينويت. ولنأخذ مثالاً توضيحياً هو سكيرزو بيتهوفين الذي يقع في سوناتا البيانو رقم 2، والذي سبق أن حللتُ الصفحة الأولى منه في الفصل السابق. لدى تحليل السكيرزو كله نرى أن الصفحة الأولى منه المعدّة لتكون: ll:a :llb – a، هي عبارة عن A في الصيغة الأكبر: A-B-A. أما المقطع B-التريو- فهو أكثر تعزيزاً من حيث الكيفية، ويقصد به المغايرة. وهذا صحيح دائماً وبقدر ما، بالنسبة لكل قسم أوسط في سكيرزو، وهذا يجعل الأقسام سهلة البيان. أما العودة إلى A فتتم عن طريق تكرار طبق الأصل.
إذا ما عُزف هذا السكيرزو الخاص ببطء أمكن أن يصبح مينويت، ولكن هذا لا يصح على السكيرزو الذي يقع في سوناتا بيتهوفين رقم 1، OP 27 والذي يشبه في طابعه شخصية بيتهوفين العاصفة، مما يزيل عنه فخامة المينويت، تلك الصفة اللصيقة بذلك الشكل. فإذا ما كُتب المقطع B بطريقة مغايرة كلياً تشتت الإحساس بالمزاج العام للمقطع A. إنه لمن الطريف أن نرى بيتهوفين قد نجح في الأمرين: المغايرة بين المقطعين، والاحتفاظ بالحُمّى الإيقاعية، والطابع المهتاج للمقطع الأول. وتتم العودة إلى A مع تغيير إيقاعي عن طريق سينكوب طفيف، مما يساعد على تأكيد المزاج العاصف.
إن الشكل ذا المقاطع الثلاثة مع شيء من التعديل البسيط، هو نمط يشمل عدداً لا يُحصى من المقطوعات التي تحمل أسماء متنوعة. من هذه الأسماء المألوفة: النوكتورن، البيرسوز، الريفيري، البالاد، الإيليّجي، الفالس، الكابرس، الأمبرومتو، الإنترميتزو، المازوركا، البولونيز... الخ.
إن هذه الأشكال ليست مكونة بالضرورة وفق الشكل ذي المقاطع الثلاثة، لكنها بالتأكيد قابلة لتكون وفقه. راقب دائماً القسم الأوسط المتغاير والعودة إلى البداية. فهذه هي العلامات المميزة للشكل ذي المقاطع الثلاثة.
إن ضيق المجال لا يسمح بأكثر من مثال إيضاحي واحد، وهو البريلود رقم 15 ري بيمول للمؤلف شوبان. إنه مثال رائع لتكييف شكل A-B-A. فبعد القسم الأول الهادئ، يأتي القسم B الدراماتيكي "المتوعِّد" ونقيض القسم الأول. إنه يُظهر بوضوح المَيل، الذي أصبح فيما بعد مألوفاً أكثر، إلى إيجاد طريقة للربط بين A و B عن طريق الإستفادة من بعض العناصر المشتركة في كلا القسمين، كالعناصر الإيقاعية أو اللحنية. بهذه المعالجة يبدو المقطع B وكأنه ينمو من القسم الأول عوضاً عن أن يكون مقطعاً مستقلاً ومتناقضاً ويمكن أن يلائم قطعةً ما أخرى. وتتم في هذا البريلود العودة إلى A بطريقة مختزلة، ويبدو كأن شوبان قال لمستمعه: "لا بد أنك تذكر جو القسم الأول، والعودة بكَ إلى عدة ميزورات موسيقية منه كافية لمنحك الإحساس به كله، دون الحاجة إلى الإزعاج عن طريق إعادة عزفه كاملاً". إن هذا الاستنتاج السيكولوجي الجيد في هذه القطعة المتميزة، يضفي عليها طابع الجدة والإيجاز فيما يتعلق بالمعالجة الشكلية.
3. الروندو- The Rondo:
الروندو هو الشكل الثالث الهام من الأشكال المقطعية الأساسية وتجسده الصيغة: A-B-A-D-A-C-A... الخ، وبناءً على ذلك تتجلى الصورة النموذجية لكل روندو في العودة إلى الثيمة الأساسية بعد كل استطراد. إن الشيء الهام هو الثيمة الرئيسية؛ فعدد الاستطرادات وطولها غير هام. إن الاستطرادات توفر التباين والتوازن؛ تلك هي وظيفتها. وهناك أنماط مختلفة لشكل الروندو؛ السريع منه والبطيء. لكن النمط المألوف هو الذي يأتي حركة أخيرة في السوناتا، التي غالباً ما تكون خفيفة، مرحة، شبيهة بالأغنية.
الروندو شكل قديم جداً من الأشكال الموسيقية، ولكنه بعيد من أن تزول صلاحيته، ويمكن إيجاد أمثلة عليه في موسيقى كوبيران، وكذلك في آخر عمل للمؤلف الأمريكي فالتر بيستون. في الأمثلة المبكرة وحتى عصر هايدن وموزارت، كانت التقسيمات بين المقاطع واضحة إلى حد كبير. ولكن المعالجات المتأخرة لهذا الشكل نزعت إلى تحطيم ذلك الوضوح، حتى أنه يمكن القول بصدق أن الشيء الجوهري في شكل الروندو ما هو إلا خلق الإحساس بالتدفق دون عوائق. إن ذلك الطراز من التدفق السلس هو الصفة الأساسية التي تطبع الروندو، سواءً كانت الموسيقى قديمة أم حديثة.
المثل التوضيحي الرائع للروندو المبكر تجده في مخطط الحركة الأخيرة من سوناتا البيانو رقم 9 مقام ري ماجور للمؤلف ج. هايدن. هنا يمكننا أن نلحظ ميزة هامة، وهي أن كل إعادة للمقطع A يداخلها شيء من التنويع، مما يجعلها أكثر تشويقاً رغم التكرارات المتعددة. فيما بعد أصبح الروندو يَعرِض على نحو ثابت صيغاً متنوعة للمقطع A عند كل عودة إليه.
يمكن إيجاد العديد من الأمثلة للروندات الحديثة في أعمال روسيل، ميلهود، هيندميث، سترافينسكي، شونبرج... الخ. وفي مقطوعة "تيل المهذار" مثال شهير معقد جداً ولا يمكن فهمه دون تحليل خاص.
الشكل المقطعي الحر- Free Sectional Form:
النمط الرابع والأخير من البناء المقطعي لا يمكن أن نخضعه لقاعدة واحدة، لأنه يسمح بكل تكييف حر للمقاطع التي تكوِّن مجتمعةً وحدةً كاملةً مترابطة. يمكن حدوث أي تكييف يقود إلى معنى موسيقي، ومثال على ذلك: A-B-B أو A-B-C-A، أو A-B-A-C-A-B-A. إن المثال الأول هو صيغة البريلود مقام دو مينور رقم 20 للمؤلف شوبان، والمثال الأخير صيغة مقطوعة الرعب Frightening لشومان من "مشاهد من الطفولة". إنه لمن السهل تتبع مقطوعة شومان، لأن كل قسم فيها قصير جداً ومختلف جداً في طابعه.
إن المثال الجيد عن التكييف غير التقليدي للمقاطع المتنوعة، الذي استخدمه مؤلف حديث، هو: سويت بيلا بارتوك رقم 14، (الحركة الأولى والثانية).
آ. كوبلاند
الشكل المقطعيّ (1)
ذو المقطعين؛ ذو المقاطع الثلاثة؛ الروندو؛ التكييف المقطعيّ الحرّ.
إن الشكل الأسهل الذي يمكن أن يدركه المستمع هو الشكل المؤلف من مقاطع، وإن ازدياد وضوح الفصل المحدد بين المقاطع المتصلة بعضها ببعض يسهِّل استيعابه. ومن منظور معين، ومن ناحية عملية يمكن اعتبار الموسيقى قاطبةً مؤلفة من مقاطع، حتى القصائد السيمفونية الطويلة لريتشارد شتراوس هي من ضمن ذلك. ولكننا سنقتصر في هذا الفصل على نمط الأشكال التي تألفت بصورة واضحة وبشيء من التكييف، من اتحاد مقاطع منفصلة.
1. الشكل ذو المقطعين-Two-part Form :
إن الشكل ذا المقطعين، أو المزدوج، هو الأبسط بين هذه الأشكال ويمثله الرمز A-B. وهو شكل قليلاً ما يُستخدم في هذه الأيام، لكنه لعب دوراً هاماً في الموسيقى التي كُتبت في الفترة ما بين 1650 و 1750. إن الانقسام إلى A و B يمكن مشاهدته بوضوح في المدوّنة الموسيقية المطبوعة، ذلك أن نهاية المقطع A غالباً ما يُشار إليها بواسطة خطّين رأسيين مع إشارة الإعادة. وفي بعض الأحيان توضع إشارة الإعادة أيضاً في نهاية المقطع B، في هذه الحالة ستبدو الصيغة بدقة هكذا: A-A-B-B. ولكننا، كما سبق أن أشرت، لا نُدخِل في اعتبارنا، عند تحليل الأشكال، هذه التكرارات طبق الأصل، لأنها لا تأثير لها على المخططات العامة للموسيقى كلها. علاوة على ذلك فإن للعازفين حرية التصرف في موضوع عزف الإعادات المُشار إليها.
في جميع الأشكال الأخرى، يظهر المقطع B مقطعاً مستقلاً، يختلف من ناحية المادة الموسيقية، عن المقطع A. ومع ذلك ثمّة توافق بين المقطع الأول والمقطع الثاني. ويبدو أن A و B يوازن أحدهما الآخر؛ وغالباً ما يكون B أكثر بقليل من إعادة تكييف جديد لصيغة A. وإن إعادة التكييف هذه مختلفة في كل مقطوعة موسيقية عن الأخرى، وترتكز عليها بصورة واسعة قيمة التنويع في بنية الشكل ذي المقطعين. وغالباً ما يشكل B تكراراً جزئياً للمقطع A، ونوعاً من التفاعل الجزئي لبعض العبارات الموسيقية الموجودة في A. ومن أجل ذلك يمكن القول: إن قسم التفاعل الرئيسي الذي أصبح على جانب كبير من الأهمية في الأزمنة اللاحقة كان منشؤه من هنا. ويمكن للشخص العادي أن يسمع مقطعيّ هذا الشكل بوضوح، إذا هو أصغى للإحساس القوي بالختامية في نهاية كل مقطع.
لقد استُخدم الشكل ذو المقطعين في الآلاف من القطع القصيرة لآلة الكلافسان، التي كُتبت في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وكان نموذج المتوالية (السويت) في القرن السابع عشر يتضمن أربعاً أو خمساً أو أكثر من تلك المقاطع، التي كانت أنواعاً مختلفةً من الرقصات. ويشتمل السويت عادةً على الرقصات التالية: الألاماند، الكورانت، السارابند والجيج. أما رقصة الجافوت، البوريه، الباسيبيه واللوريه، فقد كانت أقل استخداماً. ولا يصح الخلط بين نموذج السويت المبكر هذا، وبين السويت الحديث الذي ليس هو أكثر من مجموعة من القطع الأخفّ أسلوبياً من حركات السوناتا أو السيمفونية.
وما على القارئ الذي يريد أمثلة على الشكل ذي المقطعين إلا أن يتابع الاستماع إلى القطع الموسيقية التي وضعها فرانسوا كوبيران أو دومينيكو سكارلاتي. لقد نشر كوبيران الذي عاش ما بين 1668 و 1733، أربعة مجلدات من القطع لآلة الكلافسان، تتضمن أروع ما كتبه فرنسيّ. وغالباً ما تحمل عناوين خيالية كهذه: "العقبات الغامضة" أو "التوءمان" أو "الذبابة الصغيرة". وهذه القطعة الأخيرة هي من أروع الأمثلة على الشكل ذي المقطعين. وكذلك قطعته "الثرثارة commere" هي مثال لامع على حصافة القرن الثامن عشر وظرفه. كما يمكن إيجاد شيء من حسيّة الموسيقى الفرنسية المعاصرة في قطعة "الحسرات اللطيفة Les langeure tenders". لقد أبدع كوبران عالماً من الحسِّ المرهف في حدود هذا الشكل المنمنم.
لقد وضع المؤلف الإيطالي دومينيكو سكارلاتي (1685-1757) الذي عاصر المؤلف كوبيران، مئات من القطع الموسيقية في الشكل ذي المقطعين، وأعطاها كلها اسماً عاماً هو اسم السوناتا، مع أنه ليس فيها شيء مشترك مع السوناتا التي أتت فيما بعد، سواءً على صعيد الشكل أو على صعيد الحسّ. لقد وضحت شخصية سكارلاتي بقوة في كل ما كتب، كان لديه مَيْل للتألق، وكتابة مزوّقة للآلة الكلافسان، مع قفزات عريضة وتقاطع في الأيدي بأسلوب آلي صحيح. ولم يخشَ من استعمال هارمونيات جريئة صعقت معاصريه. (الكثير من هذه الهارمونيات لطَّف من حدتها الناشرون الأكاديميون في القرن التاسع عشر). وإنه لمن الصعب اختيار أمثلة من الوفرة الكثيرة لثروته. وتعدُّ السوناتات رقم 413 مقام ري مينور، و 104 مقام دوماجور، و 338 مقام صول مينور الموجودة في طبعة لونجو من أروع أعماله.
النمط الثاني للشكل المقطعي، هو الشكل ذو المقاطع الثلاثة، وتمثله الصيغة: A-B-A. لقد سبق أن رأينا كيف تُبنى الوحدة الصغيرة في قطعةٍ ما طبقاً لصيغة: a-b-a. والآن نرى من الضروري أن نوضحها فيما يتعلق بقطعةٍ كاملة.
2. الشكل ذو المقاطع الثلاثة Three-part Form:
في حالة الشكل ذي المقاطع الثلاثة، نتعامل مع نمطٍ من البناء ما زال يستخدمه مؤلفو اليوم. ومن أوضح الأمثلة المبكرة عليه مينويتات هايدن أو موزارت. ويبدو أحياناً قطعة صغيرة مستقلة، يحدّها من طرفيها المقطع الأول: مينويت-تريو-مينويت. ولما كانت العودة إلى المقطع الأول، هي عودة طبق الأصل، فإن المؤلفين لا يكلفون أنفسهم عناء كتابتها ثانيةً، بل يستخدمون مصطلح (Da capo) الذي يعني العودة إلى البداية. ولكن عندما تكون العودة معدّلة فيجب كتابتها.
تغيرت تدريجياً ملامح المينويت والشكل ذي المقاطع الثلاثة، حتى عند من يسمونهم بالمؤلفين الكلاسيكيين. فهايدن نفسه بدأ بتحويل المينويت من رقصة بسيطة إلى شكل أصبح في النهاية سكيرزو عند بيتهوفين. في الواقع هناك بضعة أمثلة على التوسع التدريجي للنموذج الشكلي أفضل من هذا التحول للمينويت إلى سكيرزو.
إن مخطط A-B-A ظلّ هو نفسه، لكن الشخصية تحولت كلياً. لقد تحول المينويت الرشيق والجليل بين يدي بيتهوفين إلى سكيرزو سريع، فظّ، غريب الأطوار ومغاير تماماً للحركة السابقة.
إن التعديل الهام في الشكل حققه بيتهوفين نفسه، ثم تبناه المؤلفون الين لحقوا به. لقد جرت العادة في أعمال المينويت والسكيرزو المبكرة أن تتلقى إحساساً بالختام في نهاية كلٍ من المقطع الأول والثاني. لكن في الأمثلة المتأخرة لهذا الشكل هناك ربط بين المقطع A و B بوساطة جسر عبور، كذلك الأمر عند العودة من B إلى A، وهذا ما يخلق انطباعاً كبيراً بالتواصل. وسيُعثر على هذه النزعة في أغلب الأشكال الموسيقية؛ إن نقاط الحدود لمقاطع المنفصلة تنزع للتبدد قبل أن تدعو الحاجة إلى انطباع بالتدفق المتواصل. لا ريب أن تحديد التقسيمات أيسر للتعقب من موقع المستمع، لكن التطوير الأمثل للشكل يجتذب معه الحاجة إلى المعالجة البارعة للتواصل، وللخط الأطول.
إليك مثالاً توضيحياً نموذجياً من أعمال المينويت للمؤلف ج. هايدن، مأخوذاً من الرباعية الوترية رقم 5، حيث التقسيمات محددة بوضوح:
أما فيما يتعلق بمثال حديث عن شكل المينويت، فأستطيع أن أزكي مينويت المؤلف م. رافيل من "قبر كوبيران"، وهي مجموعة من ست قطع لآلة البيانو، وزّعها المؤلف فيما بعد للأوركسترا. لقد قُدّم الشكل A-B-A النموذجي مع هذه الفروق: صُممت العودة إلى المقطع A من الاتحاد البارع لكلا المقطعين A و B في ذات الوقت؛ وأضيفت على نحو جميل كودا محكمة في النهاية. ولكن لم يطرأ تغيير جوهري على شكل المينويت.
لنر الآن ما الذي فعله بيتهوفين بشكل المينويت. ولنأخذ مثالاً توضيحياً هو سكيرزو بيتهوفين الذي يقع في سوناتا البيانو رقم 2، والذي سبق أن حللتُ الصفحة الأولى منه في الفصل السابق. لدى تحليل السكيرزو كله نرى أن الصفحة الأولى منه المعدّة لتكون: ll:a :llb – a، هي عبارة عن A في الصيغة الأكبر: A-B-A. أما المقطع B-التريو- فهو أكثر تعزيزاً من حيث الكيفية، ويقصد به المغايرة. وهذا صحيح دائماً وبقدر ما، بالنسبة لكل قسم أوسط في سكيرزو، وهذا يجعل الأقسام سهلة البيان. أما العودة إلى A فتتم عن طريق تكرار طبق الأصل.
إذا ما عُزف هذا السكيرزو الخاص ببطء أمكن أن يصبح مينويت، ولكن هذا لا يصح على السكيرزو الذي يقع في سوناتا بيتهوفين رقم 1، OP 27 والذي يشبه في طابعه شخصية بيتهوفين العاصفة، مما يزيل عنه فخامة المينويت، تلك الصفة اللصيقة بذلك الشكل. فإذا ما كُتب المقطع B بطريقة مغايرة كلياً تشتت الإحساس بالمزاج العام للمقطع A. إنه لمن الطريف أن نرى بيتهوفين قد نجح في الأمرين: المغايرة بين المقطعين، والاحتفاظ بالحُمّى الإيقاعية، والطابع المهتاج للمقطع الأول. وتتم العودة إلى A مع تغيير إيقاعي عن طريق سينكوب طفيف، مما يساعد على تأكيد المزاج العاصف.
إن الشكل ذا المقاطع الثلاثة مع شيء من التعديل البسيط، هو نمط يشمل عدداً لا يُحصى من المقطوعات التي تحمل أسماء متنوعة. من هذه الأسماء المألوفة: النوكتورن، البيرسوز، الريفيري، البالاد، الإيليّجي، الفالس، الكابرس، الأمبرومتو، الإنترميتزو، المازوركا، البولونيز... الخ.
إن هذه الأشكال ليست مكونة بالضرورة وفق الشكل ذي المقاطع الثلاثة، لكنها بالتأكيد قابلة لتكون وفقه. راقب دائماً القسم الأوسط المتغاير والعودة إلى البداية. فهذه هي العلامات المميزة للشكل ذي المقاطع الثلاثة.
إن ضيق المجال لا يسمح بأكثر من مثال إيضاحي واحد، وهو البريلود رقم 15 ري بيمول للمؤلف شوبان. إنه مثال رائع لتكييف شكل A-B-A. فبعد القسم الأول الهادئ، يأتي القسم B الدراماتيكي "المتوعِّد" ونقيض القسم الأول. إنه يُظهر بوضوح المَيل، الذي أصبح فيما بعد مألوفاً أكثر، إلى إيجاد طريقة للربط بين A و B عن طريق الإستفادة من بعض العناصر المشتركة في كلا القسمين، كالعناصر الإيقاعية أو اللحنية. بهذه المعالجة يبدو المقطع B وكأنه ينمو من القسم الأول عوضاً عن أن يكون مقطعاً مستقلاً ومتناقضاً ويمكن أن يلائم قطعةً ما أخرى. وتتم في هذا البريلود العودة إلى A بطريقة مختزلة، ويبدو كأن شوبان قال لمستمعه: "لا بد أنك تذكر جو القسم الأول، والعودة بكَ إلى عدة ميزورات موسيقية منه كافية لمنحك الإحساس به كله، دون الحاجة إلى الإزعاج عن طريق إعادة عزفه كاملاً". إن هذا الاستنتاج السيكولوجي الجيد في هذه القطعة المتميزة، يضفي عليها طابع الجدة والإيجاز فيما يتعلق بالمعالجة الشكلية.
3. الروندو- The Rondo:
الروندو هو الشكل الثالث الهام من الأشكال المقطعية الأساسية وتجسده الصيغة: A-B-A-D-A-C-A... الخ، وبناءً على ذلك تتجلى الصورة النموذجية لكل روندو في العودة إلى الثيمة الأساسية بعد كل استطراد. إن الشيء الهام هو الثيمة الرئيسية؛ فعدد الاستطرادات وطولها غير هام. إن الاستطرادات توفر التباين والتوازن؛ تلك هي وظيفتها. وهناك أنماط مختلفة لشكل الروندو؛ السريع منه والبطيء. لكن النمط المألوف هو الذي يأتي حركة أخيرة في السوناتا، التي غالباً ما تكون خفيفة، مرحة، شبيهة بالأغنية.
الروندو شكل قديم جداً من الأشكال الموسيقية، ولكنه بعيد من أن تزول صلاحيته، ويمكن إيجاد أمثلة عليه في موسيقى كوبيران، وكذلك في آخر عمل للمؤلف الأمريكي فالتر بيستون. في الأمثلة المبكرة وحتى عصر هايدن وموزارت، كانت التقسيمات بين المقاطع واضحة إلى حد كبير. ولكن المعالجات المتأخرة لهذا الشكل نزعت إلى تحطيم ذلك الوضوح، حتى أنه يمكن القول بصدق أن الشيء الجوهري في شكل الروندو ما هو إلا خلق الإحساس بالتدفق دون عوائق. إن ذلك الطراز من التدفق السلس هو الصفة الأساسية التي تطبع الروندو، سواءً كانت الموسيقى قديمة أم حديثة.
المثل التوضيحي الرائع للروندو المبكر تجده في مخطط الحركة الأخيرة من سوناتا البيانو رقم 9 مقام ري ماجور للمؤلف ج. هايدن. هنا يمكننا أن نلحظ ميزة هامة، وهي أن كل إعادة للمقطع A يداخلها شيء من التنويع، مما يجعلها أكثر تشويقاً رغم التكرارات المتعددة. فيما بعد أصبح الروندو يَعرِض على نحو ثابت صيغاً متنوعة للمقطع A عند كل عودة إليه.
يمكن إيجاد العديد من الأمثلة للروندات الحديثة في أعمال روسيل، ميلهود، هيندميث، سترافينسكي، شونبرج... الخ. وفي مقطوعة "تيل المهذار" مثال شهير معقد جداً ولا يمكن فهمه دون تحليل خاص.
الشكل المقطعي الحر- Free Sectional Form:
النمط الرابع والأخير من البناء المقطعي لا يمكن أن نخضعه لقاعدة واحدة، لأنه يسمح بكل تكييف حر للمقاطع التي تكوِّن مجتمعةً وحدةً كاملةً مترابطة. يمكن حدوث أي تكييف يقود إلى معنى موسيقي، ومثال على ذلك: A-B-B أو A-B-C-A، أو A-B-A-C-A-B-A. إن المثال الأول هو صيغة البريلود مقام دو مينور رقم 20 للمؤلف شوبان، والمثال الأخير صيغة مقطوعة الرعب Frightening لشومان من "مشاهد من الطفولة". إنه لمن السهل تتبع مقطوعة شومان، لأن كل قسم فيها قصير جداً ومختلف جداً في طابعه.
إن المثال الجيد عن التكييف غير التقليدي للمقاطع المتنوعة، الذي استخدمه مؤلف حديث، هو: سويت بيلا بارتوك رقم 14، (الحركة الأولى والثانية).
واحد من الناس- جيتارا فعال
-
عدد الرسائل : 80
تاريخ التسجيل : 18/07/2008
رد: مقطوعات - الأشكال الموسيقية الأساسية
شكرا ع الإفادة
traveller- جيتارا جديد
-
عدد الرسائل : 13
تاريخ التسجيل : 18/10/2008
مواضيع مماثلة
» كوردات الأساسية
» الدرس الثاني الأزمنة الموسيقية
» نبذة بسيطة عن الالات الموسيقية
» الدرس السادس النقطة الموجودة أمام العلامة الموسيقية
» الدرس الثاني الأزمنة الموسيقية
» نبذة بسيطة عن الالات الموسيقية
» الدرس السادس النقطة الموجودة أمام العلامة الموسيقية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد يوليو 26, 2020 4:38 am من طرف alashkar
» كتاب مميز لتعليم الجيتار
الخميس فبراير 07, 2019 5:21 pm من طرف Lina
» كوردات لعمرو دياب معا الصولو
الخميس فبراير 07, 2019 5:20 pm من طرف Lina
» كوردات أغاني لشاب خالد
الخميس فبراير 07, 2019 5:19 pm من طرف Lina
» كتاب لتكنكيات
الخميس فبراير 07, 2019 5:18 pm من طرف Lina
» اكثر من 30 ملف لووب شرقي طبله فقط
الأربعاء فبراير 06, 2019 4:01 pm من طرف Lina
» لووبات شرقيه ايقاعات مختلفه عدة الات موسيقيه اكثر من 50 لووب
الأربعاء فبراير 06, 2019 4:00 pm من طرف Lina
» اصوات للدي جي
الأربعاء يناير 16, 2019 6:09 am من طرف جمال ج
» لوبات خليجية و هندية و تركية و إيرانية
السبت سبتمبر 08, 2018 2:58 am من طرف kh.awad